%D8%AC%D8%B1%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%A7%20%D9%84%D9%84%D9%83%D9%84%3Cbr%3E%D8%AD%D8%A7%D9%85%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D8%A8%D9%8A - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


جرمانا للكل
حامد الحلبي - 20\05\2013
في الفترة الأخيرة، تم تعليق لافتات في شوارع جرمانا، من قبل (مجموعة العمل الأهلي في جرمانا) تحض على المودة والتسامح، ومنها مثلا لافتة تقول: "تسامح، تصالح، تصافح... أنت في جرمانا"، وأخرى تقول: "جرمانا للكل".
-إن هذا النهج في السلوك والتفكير، يلقى قبولاً كبيراً عند معظم الناس، فالمودة والتسامح من أسمى صفات الإنسان، ودليل على رقيّه الأخلاقي والسلوكي. وقد حضّت الأديان / على مختلف أنواعها / على هذا النهج، وعززته القيم الإنسانية على مدى تاريخ البشرية... وإذا كان الشر هو الوجه المظلم في تاريخ الإنسان، فان قيم الخير والعدالة، والتسامح، والمحبة، هي الوجه المشرق والمنير في مسيرة البشرية نحو الرقي والتقدم.
-وقد تجسدت هذه القيم الإنسانية النبيلة في الشرائع والقوانين والدساتير التي وصلت إليها الشعوب وجعلتها طريقاً لسيرها، وأسلوباً للحكم وإدارة المجتمعات فيها، ومرجعاً لحل الخلافات التي تنشأ، بالاحتكام إلى القضاء العادل، والانصياع لحكم القانون، والابتعاد عن غرور القوة، فالقوة بغير العقل والعدالة، هي قوة تدمير وخراب ،فالقوة العاقلة الإنسانية هي منهج المجتمع المتحضر، وقد عبّر عن هذا، الشاعر/أحمد شوقي/ بقوله:

وكلٌّ شجاعةٍ في المرء تُغني

 
  ولا مثلُ الشجاعةِ في الحكيم

وقال أيضا :

إن الشجاعةَ في القلوبِ كثيرةٌ

 
  ورأيتُ شجعانَ العقولِ قليلا

-وتراثنا العربي يزخر بأمثلة راقية في الإنسانية والمحبة والتسامح، ومنها ما قاله الفيلسوف المتصوف الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي،المتوفى عام /1240/م ،وكيف انتقل من التزمت إلى المحبة ،حيث قال :

لقد كنتُ قبل اليومٍ أنكر صاحبي  
  إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
وقد صار قلبي قابلاً كلَّ صورةٍ  
  فمرعى لغزلانٍ ودير لرهبانِ
وبيتٌ لأوثانٍ وكعبةُ طائفٍ  
  وألواحُ توراةٍ ومصحف قرآنِ
أدينُ بدينِ الحُب أنَّى توجّهت  
  ركائبهُ،فالحبُّ ديني وإيماني

-إن إنسانية /ابن عربي/ جمعت في قلبه كل من ذكرهم في انسجام ومحبة ... ويعبّر ابن عربي عن اتساع عقله للرأي الأخر، وإن الحقيقة واحدة، وإن تعددت وجهات النظر فيها، وزوايا رؤيتها حسب كل ناظر إليها، فيقول:

وما الوجهُ إلا واحدٌ، غير أنه  
  إذا أنت عدّدت المرايا تعدّدا

-إن من حقائق علم النفس، أنه لا يوجد أساس منطقي للأحكام المطلقة على البشر، فلا يمكن أن نصف إنسانا بأنه شر مطلق مهما كانت درجة سوئه، ولا يمكن أيضا أن نصف إنسانا بأنه خير مطلق مهما كانت درجة نقائه ... فالكمال لله وحده
- وتطبيقا لهذا المبدأ جاء ما قاله الشاعر المبدع /ديك الجِنّ/ الذي عاش زمن ازدهار الدولة العباسية بقوله شعرا:

أنا من قَوْلَي مليحٍ أو قبيحٍ، مُستريحْ

كلُّ من يمشي على وجه الثّرى عندي،مَليحْ

-لقد قال هذا،رغم علمه أن بين "من يمشي على وجه الثرى " أناس يغلب عليهم السوء، ولكن قلبه الإنساني أستوعبهم، وان سوءهم تحاسبهم عليه العدالة، إذا سببوا أذى للناس .
-وعلى هذا الأساس أيضا، تم إلغاء عقوبة الإعدام في كثير من دول العالم،واستعيض عنها بالسجن ... الذي يجب أن يهدف إلى فتح مجال الإصلاح للسجين، وليس العقوبة فقط.
-ومن هنا أيضا،جاءت فضيلة /العفو/ الذي يعزز الجانب الإيجابي لدى المخطئ، وقد صدقت الحكمة القائلة : "كن عاقلا ولا تكن على حق" أي أن نجعل العقل والعدالة هما الأساس ،ولو تنازلنا عما يكون لنا من حقوق، وهذه أخلاق النبالة والشهامة ... وعلى هذا أيضا يقولون في المعاملات : "بيِّن حقك واترُكه " .
-إن الأقوال الحكيمة والإنسانية التي وردت أعلاه، هي الخلفية الإنسانية، والأخلاقية لعمل /مجموعة العمل الأهلي في جرمانا/، وكل من يعمل للصالح العام في جرمانا وبلادنا كلها .
-فلتكن هذه الأقوال دليلا منيراً لنا، لأن مضمونها في الإنسانية وكرامة لإنسان هو الذي سيسود مهما كانت الصعوبات .
-لقد ساهمت روح المحبة هذه، في حفظ السلم الأهلي في جرمانا، ومع جوارها، وجعلتها ملجأً لكل الأهل من المناطق المجاورة، الذين أتوا إليها بسبب الأحداث الجارية، فالمحبة والإنسانية شمس مشرقة باقية رغم كل الظروف الصعبة.

صفحة مجموعة العمل الأهلي في جرمانا على الفيسبوك: